رواية الرعب أيمن العتوم

 عزيزي القارئ؛ 

مرحباً بك في رواية الموت؛

تخيل أن تقرأ والجثث محيطة بك من كل جانب، منها ما يحظى بالدفن، وكثير منها تنهشها الكلاب والقطط والطيور الجارحة، كيف لك أن تقرأ والجميع يصرخ من الجوع والألم، الكل في فرار من الموت إلى الموت، من الجحيم إلى الجحيم،

الأجساد التي بها رمق حياة في كل صفحة تنزح من نزوح إلى نزوح، وتنكمش يوماً بعد آخر إلى أن أصبحت جلداً على عظم،

الجثث تتساقط على امتداد الرواية بقنابل وصواريخ ورصاصات المعتدي الأثيم "جيش صهيون المارق" 

إنه تجسيد وغوص في أعماق حرب غزة تدوين لحاضر لن يصدقه من سيقرأه بعد أن تولي الحرب أدبارها وتعود الحياة، ربما يتهمونك يا "العتوم" بأنك ساحر أو مجنون،

أترككم مع بعض الاقتباسات من الرواية 

‏❞ أخذَ شبح الموتِ يضحك دخل عبر النّوافذ نظرَ في عيون النّاس كلّهم خلفَ الجدران كانتْ لديه قدرةٌ كبيرةٌ على النّفاذ إلى الأعماق، اصطفى أحبابَه، أخذَ يأكلُهم واحِدًا واحِدًا، في البداية راحَ ينهشُ أجسادَهم الطّريّة الضّعيفة ببطء، لكنّهم لَمّا تكاثروا راحَ يزدردهم ازدِرادًا، ويُسرِع في ذلك حتّى لا يتركَ مِمّا انتقى أحدًا، لكنّهم غالَبوه، وأصبحوا يملؤون كلّ شبرٍ في البهو، فراحَ يغصّ بهم، ولم يتوقّف عن التِهامهم، كان يبدو أنّه كلّما ابتلع عددًا كبيرًا منهم ازدادتْ شراهته ونَهَمُه على مَنْ ستُبقي أيّها الموت بعد أنْ نهشْتَ ما نهشت، هتفَ وعيناه تنفجران من الأجساد المحشوّة في فمه والّتي ينتفخ بسببها خدّاه وتظهر ❝


❞ ‫ يا إلهي كيفَ تُغيّر الحروب وجوه المُدُن. إنّها تصبغها بالرّماد، تُمشّطُ شَعرَها بالحديد فينثعب الدّم في كلّ اتّجاه، تقلعُ عينَيها، وتخلعُ رقبتها، وتجعل كلّ جارحةٍ منها في جِهة. ❝


‏❞ شيءٌ ما بعدَ ثلاثةِ أيّامٍ من القصف المُتواصل زَرَعَ في يقين النّاس أنّ الموتَ لا يأتي إلّا بِقَدَر، ولا يُصيبُ سهمُه إلّا بِأَجل، ولذلك كانوا ينتظرون أنْ يُمسِكَ بأيديهم فيعبرَ بهم إلى حيثُ يريد، هذا الفريق من النّاس الّذي يُمسِكُ الموت فيأخذ بيده كانَ حُلُمَ الكثيرين هنا، إنّه بوّابة العبور إلى الرّاحة الأبديّة والتّخلّص من كلّ هذا الواقع القاتل، والعالَم الظّالِم. غير أنّه لم يكنْ ليتحقّق بسهولة؛ ❝


‏❞ على الأجساد خُطُوطٌ من الجراح، مَن يراها يظنّ أنّ أنهارًا من الدّم أرادتْ أنْ تسقيَ هذا الجسد، وما الجسد إلّا صحراء عطشى إلى هذا النّوع من الماء. إنّ المشهد ليسَ بهذه البشاعة؛ حتّى لو كنّا نرى أيادِيَ مبتورة، وعيونًا مفقوءة، وسيقانًا مكسورة، وعِظامًا مُتهتّكة. هل كان ذلك اعتِيادًا؟! ❝


‏❞ الجنون هو الوجه الأبشع للحرب. ❝


‏❞ أمعقولٌ أنْ يكون هناكَ تحتَ الأرض مَنْ يسمعنا نحنُ الّذين مِن فوقها كما يسمعُ الميّتُ في القبر أحبابَه من فوقه؟! كيفَ يكون شكل الموت الّذي جاءهم، أو الّذي يُناورهم الآن ليقبضَ ما سال مِنْ أرواحهم؟! كيفَ ينظرون إليه؟! كيفَ يُقارِنون بين حياتنا الّتي تبدو غايةً في الرّفاهيّة أمام موتِهم البطيء؟! ❝


‏❞ إنّ أعظمَ مآسي الموت أنّه لا يُعيد مَنْ تُحبّ إليك ولو للحظات من أجل أنْ تقول لحبيبك: أنا آسف، ❝


‏❞ لن تستطيع الشّعور بقيمة الأشياء مثلما تشعر بها في الحرب، ولنْ تقدّر النِّعَم مثلما تُلجِئك الحرب إلى تقديرها! ❝


‏❞ قتلتِ الحرب الأحلام كلّها، ووأدت الطّفولة، وذبحت الأماني، وقضتْ على لثغة الصّغار، وخنقت البلابل، وأزهقتْ أرواح الزّهور، وداستْ على كلّ أوجاعنا، ولم تشبع، ولن تشبع. ❝


‏❞ في غزّة يكون الموتُ أرحمَ من الحياة، يكون الذّهاب إلى الضّفّة الأخرى أرحمَ بكثيرٍ من البقاء على هذه الضّفّة الرّماديّة المُحايدة الّتي لا يعرفُ المرء فيها أهو هنا أم هو هناك؟! ❝


‏❞ لا شيءَ يُمكن أنْ يمنحك الصّبر على الألم غيرُ الوعد؛ الوعد بأنّ في الجنة غزّة أخرى لكنّها غير مُحاصرة، إنّها غير محدودة الجهات، لا معابر تخنقها ولا أسلاك شائكة تَحُوطها، ❝


‏❞ ليسَ لدينا رفاهية الوقت من أجل أنْ نبكي. نحنُ لدينا بِحارٌ مُؤجّلة من البكاء. ليس لدينا رفاهيّة الوقت لِنقُصّ كلّ ما حدث لنا، نحنُ لدينا حكاياتٌ لو تُلِيَتْ من اليوم حتّى قِيام السّاعة لَمَا انتهَينا منها. ❝


‏❞صار لون الدّم لونَ كلّ شيءٍ، حتّى الماء الّذي نشربه صار قانِيًا، اللُّقمة الّتي نأكلها مغموسةٌ بالدّم، كلّما هممتُ بشرب الماء احمرّ، وكلّما هممتُ برفع لقمة الخبز سالَ من تحتِ أصابِعي منها دم، وكلّما نِمت شعرتُ أنْ ثيابي كلّها دِماء، وأنّني أسبح في بركةٍ من الوجع، وكلّما انفثأ من شَغافِ قلبي صوتٌ صار الصّوت له لونٌ مثل لون الجراح الّتي يتفجّر منها الدّم والألم، أينَ نهربُ إذًا؟! ❝


‏❞ أخذَ شبح الموتِ يضحك دخل عبر النّوافذ نظرَ في عيون النّاس كلّهم خلفَ الجدران كانتْ لديه قدرةٌ كبيرةٌ على النّفاذ إلى الأعماق، اصطفى أحبابَه، أخذَ يأكلُهم واحِدًا واحِدًا، في البداية راحَ ينهشُ أجسادَهم الطّريّة الضّعيفة ببطء، لكنّهم لَمّا تكاثروا راحَ يزدردهم ازدِرادًا، ويُسرِع في ذلك حتّى لا يتركَ مِمّا انتقى أحدًا، لكنّهم غالَبوه، وأصبحوا يملؤون كلّ شبرٍ في البهو، فراحَ يغصّ بهم، ولم يتوقّف عن التِهامهم، كان يبدو أنّه كلّما ابتلع عددًا كبيرًا منهم ازدادتْ شراهته ونَهَمُه على مَنْ ستُبقي أيّها الموت بعد أنْ نهشْتَ ما نهشت، هتفَ وعيناه تنفجران من الأجساد المحشوّة في فمه والّتي ينتفخ بسببها خدّاه وتظهر ❝


‏❞ اشتقتُ للماء، لكلّ ما كان عاديًّا قبل الحرب، هل تُصدّقون أنّني اشتقتُ لصوتِ الماء في الشّطّافة أو لصوته في الدّوش أو لصوت الحنفيّة حتّى لو علاها الصدأ الأخضر. ❝


‏❞ كان الموتُ يقفُ واضِعًا كفّه تحتَ ذقنه ناظِرًا نظرة استخفاف ولا مُبالاةٍ ينتظر دورَه لازْدِرادِ وَجْبته، في غَزّة أنتَ بين خيارَين: أنْ تموتَ من القصف أو أنْ تموتَ من النّزف، لا أملَ في الحياة، إنّه موتٌ فحسب، وعليكَ أنْ تختارَ أحدَ الموتَين. ❝


‏❞ ‫ ما أصعبَ أنْ تُدفَن مجهولاً! أنْ تُحفَر لك الحُفرة الأخيرة، وتُلقى فيها، ولا تجد حولكَ أبًا يرثيك، أو أمًّا تبكيك، أو أختًا تنوحُ عليك. ما أقسى أنْ تُرمَى في تلك الحفرة الباردة المُظلِمة، ولا تحظى ضلوعكَ المُمزّقة بلمسةٍ أخيرةٍ من يدٍ حانية!! ❝


‏❞صار الأحياء يحسدون الشّهداء على رحيلهم المُبكّر ❝


‏❞ إنّ الموتَ واحد، ولكنّ الصُّور الّتي يأتي بها مُتعدّدة، إنّه يأتي بألفِ صورةٍ وصورة. قد تبدو صرخات الفقد واحدة، ولكنّها ليست كذلك أبدًا، إنّ كلّ صرخةٍ لها نشيجُها الّذي لا يُشبه نشيج أيّة صرخةٍ أخرى. ❝


‏❞ إنّ في عينَيك حُزن الغروب، الغروب الّذي تنطبعُ أشعّته الرخيّة على مرآة البحر أوانَ النّسائم العليلة، لكنّني أحبّ هذا الحُزنَ الّذي في عينَيك، أشعرُ أنّه ابنُ عَمّ الحُزن الّذي في عينَيّ. متى سنلتقي؟! ❝


‏❞ «أن نعيشَ حياتنا بأقلّ الخسائر. القُوّة النّفسيّة الّتي بداخلنا والّتي تجعل الحياة مُمكِنةً هيَ المُعوّل عليه، علينا أنْ ننظر إلى غدنا. ليسَ لنا من الماضي شيءٌ لقد ولّى بكلّ ما فيه، والرّجوع إليه موتٌ مُضاعف. وأمّا اليوم فنُناور الموتَ الّذي هو الوجه الآخر للحياة، لا لنؤجّل قَدَر الله ولكنْ لنرضى به. وأمّا الغد فلماذا نقلقُ عليه ما دام يجري بأمرٍ من السّماء لا أنا ولا أنتَ ولا أيّة قُوّة في الأرض تستطيع أنْ تُغيّر مساره قيدَ أنمُلة». ❝


‏❞ مَنْ لم تقتلْه طائرات الجيش الإسرائيليّ مباشرة قتلَتْه بأنْ جعلتْه يعيشُ مع ذكرى الرّاحلين، ويتحسّر على فَقْدِهم أمام ناظِرَيه دون أنْ يتمكّن من مُساعدتهم، نحن مقتولون على أيّة حال! ❝


‏❞ «فرج. أنا أموت. لم أعدْ قادِرًا على أنْ أحتمل المزيد، أنتَ ترى أنّ الدّيدان تملأ جسدي، وأنّه لم يعدْ أحدٌ من أهلي حَيًّا، وأنّ بيني وبين الموت خطوةً واحدة، ألا ترحمني وتتّخذها، انزع هذا المحلول الأبيض، واصبرْ عَلَيّ عشر دقائق، واقرأ على روحي شيئًا من سورة (يس)، ثُمّ لمّا تنقطعُ أنفاسي، كَفّنّي، وارمِني مثلَ البقيّة في قلبِ شاحنةٍ اعتادَتْ أنْ تأخذَ الجُثث المجهولة، واجعلْها تدفنني في أبعدِ مكانٍ، ❝


‏❞ يُمكن لكلّ واحدٍ في غزّة أنْ يُعدِّدَ النِّعَم الّتي يحظَى بها: لقد فقد ساقًا واحدة في حين أنّ صديقَ طفولته فقدَ ساقَيه كلتيهما، وصديقَهما الّذي كان متفوِّقًا في المدرسة لم يعدْ حَيًّا من الأساس ‫ لقد شربَ ماءَ مُلَوّثًا؛ إنّها نعمةٌ كبيرة لأنّه رأى مَنْ يشربُ ماء المجاري، ورأى من يشربُ من دمائه، وذلك الّذي لم يجدْ أيّ سائلٍ ولو كان من قاع مُستنقعٍ لِيَبُلّ ريقه لقد وجدَ خيمةً مُمزّقة ليأوي إليها من الرّيح، ما أعظمَها من نِعمة! لقد رأى مَنْ يصنعون مِن الأكفان أو جوالات الخَيْش خيمتهم، ورأى مَنْ ينامون في العراء، ورأى مَنْ كانتِ الحجارة المُتكوّمة فوقهم خيمتَهم ❝


‏❞ الألم رَحِمٌ بين الناس، والمأساة قُربَى بين أصحابها، كانت الخطوب تُباعِدُهم وهواء غزة المُلطَّخ بالدَّم والغاز والحرائق والدُّخان يُقرّبهم. كيفَ يحنّ الفرع إلى الأصل! كيف يحنو الغُصن على الجذع! لقد سقطتْ أوراقٌ كثيرةٌ عن الشّجرة، ولكنّها بقيتْ واقفة! ❝


‏❞ القصف عند العدوّ أسهل من شرب الماء. أحيانًا يقصف للتّسلية. قائدُ السّرب يشعر بالملل والرّتابة، ويريدُ أنْ يرى مشهدًا دراميًّا، هو لا يعدُّنا أكثر من ذلك. ❝


‏❞ قصص المُصابين هنا أكثرُ من أنْ تقولها آلافُ الكتب، لو بقيتُ مئة عامٍ طَوال النّهار واللّيل أحكيها لكم فلن تنتهي! ❝

‏❞ تضيقُ ثُمّ تُفرَج، يشتدّ إغلاقُها ثُمّ تنفتح، تكونُ الهموم الطّاحِنات ثُمّ يبعثُ الله المسرّات الجالِيات، تكونُ المحن مُقدّمة المِنَح، ويكون الألم طريق الأمل، وتكونُ المعاناة سبيل الغاية العَلِيّة، ويكونُ احتراق الزّيتِ من أجل أنْ يُضيء، ونكون نحنُ شعبَ غزّة وقودَ الح

رّيّة الّتي سيعمّ نورُها الأكوان من مشارقها إلى مغاربها. ❝




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رواية الصخور المهاجرة للأستاذ جلال الرويشان

من ديوان "قلبي عليك حبيبتي " للشاعر أيمن العتوم

اقتباسات من رواية أنا يوسف ..أيمن العتوم